اهُ يا أُمّالحَضَارَة الشاعر العربي: أحمد الريماوي "إلى "الأنا" العراقيّة... وهي تضمّد جرح الأصالة والتّراث، في زمن الذات العربية المنهكة، وهي تلهث وراء سراب المظاهر...القابعة تحت ظلال الحداثة المزيّفة... خلف أسوار جنون العصر الإمبريالي" (1)بغدادُ تُقْصَـفُ والرّدى يَتَوَعَّـدُوأخو العروبـةِ سـادِرٌ يتـرَدّدُ
أو ثائـرٌ في سـِجْنِهِ يتَقـَدّدُ
بغداد تُقْصَـفُ والأسى يَتَلَبّـدُبسَـوادِ مُحْتَلٍّ قَميءٍ جاءِ
يُمْطِـرنا بنار غُرورِهِ
يَرغـو ... يَفـورُ... ويَزْبِـدُ
بغدادُ... جاءَكِ يَسْـتَبيح جَلالَكِ الشّـرقِيّيجتاح النَّقـاء اليَعْـرُبيّ… يُعَـرْبِدُ
"إنّ البُغـاةَ بأرضـِنا تَسْـتأسِدُ"فترقّبوا مَن قَلّدوا...
مَنْ غَرّبوا
بغداد... هل تُسْـتَقْطَبُ؟
بغداد... هل تُسْـتَعْبَدُ؟
بغداد... هل تُسـْتَبْعَدُ ؟
لا لا وربّي ...
إنها تتفَـرّدُ...
بـجَلالها ... بـجمالها
إنيّ لها ...إنيّ لها ...
مَهْـد الرشـيد...
فمن يشُـكّ فقد كَفَـرْ
سُـبحان مَنْ خَـصَّ العـراقَ...
بما يُطَـرِّزُهُ القَـدَرْ
* * *
(2)أوّاهُ يا أمّ الحَضـارَةِ سَـيِّدُ الكُفْرِ انتصَـرْيصطـادُ من عَلْيائـهِ...
يَتَرَصّـدُ...
لمواقِعٍ ... لِمَواجِـعٍ تَتَعَمّـدُ...
بِمنابـعٍ تتوقّـدُ...
بِذُرى البشارَةْ
بغداد تَذْرِفُ آهـةً حَـرّى...
تُخَضِّـبُها مَـرارهْ
تدمي نواقيـس الحضـارهْ
تكوي مَجالسـنا
تُجَنْدِلُـنا بأسْـواط الفضـائيّاتِ
تَلْسَـعُنا بآفات العِبارَهْ
عند الصّـباحِ...تَقُضّ مَضْـجَعَ شَـوقنا
نصـحوا لِتَحْـقُنَنا بِمَصْـلِ اليأسِ
تَرْكُلنا...
تُمَرّغُنا بوحْـلِ البُـؤسِ
تَمْـلأنا كَدارَهْ...
عند الظّـهيرَةِ...تَفْتِكُ الشّـاشاتُ بالأذهـانِ
تُزْعِـجُ سَـمعَنا...
باسم الجَدارة والمَهارَةِ والإثارَهْ
عند المسـاءِ...تَنام قَسْـراً في مَخادِعِنا
وتُطْلِقُها إشـارهْ
" نامـوا ولا تسـتيقظوا
ما فاز إلاّ النُّـوَّمُ "!
فتعلّموا نَهْـجَ الهزيمـة...
تَسْـلَموا!
وتَشَـبّثوا برحى الضّـلالة...تَغْنَموا!
وتربّعوا فوق العُروشِ... تصـدّعوا
هيا العبوا وتلاعبواوتكسّـبوا ...لتُغَيّبـوا
السِّـرُّ أن تَسْـتَسْلِموا" ناموا ولا تسـتيقِظوا
ما فاز إلاّ النُّـوَّمُ "!
ناموا ولا تتحَرّجـوا
وتَفَرْنَجـوا...
للفُسْـقِ هيا رَوِّجـوا!
للعُهْـرِ هيا هرِّجـوا!
كم مَرّةٍ...تَفَلوا على أحلامكم...
وتَبَـرّزوا؟
كم مرّةٍ...سَـكِروا على أوهامِكم...
وتَلَمّـزوا...وتَمَـزّزوا؟
* * *
(3)ياما وياما قَزّمـوا...ياما وياما كَمّمـوا الأفكارَ ... ياما لَجّمـوا
ياما وياما سَـمّموا الأشـعارَ ... ياما عَلْقَمـوا
ياما وياما ألْزَمـوا...واسْـتَزْلَموا
ياما وياما يَتَّموا
هيّا الْبِسـوا ما خَيَّطواما خَطَّطوا
قُصّـوا شـريط الانْغِمـاسِ...
تَوَرَّطوا
قد آنَ أنْ تتَعَوْلَمـوا!
قد آنَ أنْ تتَبَلّمـوا!
لا لا عليكم سـادتيلا تَتْرُكوا ما فَبْرَكـوا!
وَتَأمْرَكـوا!!...
لا تَنْدَمـوا
"ناموا ولا تسـتيقظوا
"ما فاز إلاّ النُّـوَّمُ "
* * *
(4)ويلاهُ يا أمّ الحضـارَةِ...من طـوابير العَدَمْدَكّتْ حُصـون "اللا" على مَرْأى العِبَرْ
سَـلِمَتْ نَعَـمْ...
بَصَـقَتْ على الناس البرامِجَ...
أغْرَقَتْها بالتُّهَـمْ
كَتَبَ الضّـرَرْ...أنّ الخَطَـرْأضـحى على مَرْمى شَـرَرْ
فَرِحَ الضَّجَـرْجاءَتْ جَنـازيرُ الغَـجَرْ!
جاءَتْ خَنـَازيرٌ
لِتَخْنـقَ فَرْحـةَ الطّفل المُدَلّلِ...
وهو يلهو في الحـدائقْ
زحـفَتْ لِتَشْـنقَ – آهِ – تاريخـاً
فأرّقَـتْ المَتاحِـفَ...
آهِ- شَـوّهَت الحَقائـقْ
نَبَشَـتْ ربيـع قلوبِنا...قرآنَنـا
زحَفَـتْ وقَلْبُ الصَّمْتِ خائـفْ
يا من أتى بالكَـوْنِ... من كافٍ ونـونْيا من أتى للكَـوْنِ ...بالسِّـرّ المَصـونْ
إنّ الجَهـالَةَ والعَمـالَهْعَبثَـتْ بمَخْـزون الرِّسـالَهْ
بصَقَـت على وجـه العَدالـهْ
نهَبَـتْ رُؤَى جِلْجامـِش الوَلْهى بأنْغام الخُلـودْ
سَـفَكَتْ دماء السّـومَرِيين ...
الأشـورِيين...
حَـمّورابِ مُتَّكِئٌ على القانونِ
يَذْرِفُ حُـزْنَهُ حتى الثّـمالَهْ
يرْثي مَـآلَهْ
عُذْراً أخا الوقّاص إنْ فُجِـعَ الفـراتُ....وناحَ دِجْلَـةُ للمَهانـةْ
* * *
(5)أوّاهُ يا أمّ الحَضـارهْداسوكِ تحت سـنابِكِ الألغامِ
في شَـظَفِ الأمانَةْ
عرّوكِ وابن العَلْقَمِيّيسـير بالوَجْهِ المُلَطّخِ بالخِيانَةْ
وتَغَوَّطوا فوق المَشـاعِرِ-آهِ- من نَزْفِ المَآذِنِ والمَنابرِ
-آهِ- من فَرَحِ المَقابِـرِ
-آهِ- من خَطْفِ المَآثِرْ
مَخْطوطَـةٌ تَبكي... تُنازِعُ
تُحْفَـةٌ تشـكو ... تُصارِعْ
أيْقونَـةٌ تَرْوي حِكايتهـا ...
لِنـايٍ بَثَّ آهات البَيـارِقِ
في المَغـارِبِ في المَشـارِقْ
سَـعَفُ النّخيل يَشـيبُ من فَزَعِ الطُّيـورْدَبّابَةٌ تَروي مُداعبة الصّـواريخ الغَبِيّة للشُّعورْ
للجالِسـين بِدارَةٍ حُـبْلى بأفْراحِ المَوائِـدِ
للنّشـامى في القَواعِـدِ
للحَوانيـت الكَئيبـةِ...
للبُيـوتِ...
لِصـالةِ الألْعابِ...
تَسْـألُ عن زمـان العِزِّ للغُيّابِ
يَعْصُـرُ قَلْبَها نَزْفُ الشَّـوارِعِ
-آه- يَجْـرَحُ كِبْرَها وَجَعُ المَـزارِعْ
واحسـرتاهُ على المَـزارِعِ والمَراتِعْواحسرتاهُ على المَرابِعِ والمَراجِعْ
واحسـرتاه على الجَـوامِعِ والشَّـرائِعِ والمَجامِعْ
أوجاعها سَـكَنَتْ بِوادي المُنْحَـنى...
من أضْـلُعِ العُبَّـادِ...
خَـرَّتْ في المَهاجِـعِ
تحت أعوادِ النّـوازِعْ
* * *
(6)مهـلاً أخا الوَقَّـاص ...يا من عَلَّمَ الدُّنْيا على عَزْفِ الضَّـمائِرْ
بغداد إيقاع الشَّـعائرْ
مَنْ قالها.... بغداد عاقِـرْ؟
بغداد دُرّةُ أُمَّـةٍ ...
حَفَـرَتْ شِـعارَ بَقائها
زَرَعَتْـهُ في كلّ البَوادي والحَواضِـرْ
هيا اعزفوا لحن الإباءِ وقَسِّـموا...دِيَمُ الشُّروع تُغَيِّـمُ
فَتَنظّمـوا ...تَتَعَظّمـوا...
وتألّمـوا... تَتَقَدّمـوا
عُذْراً أخا الوَقّاص أرّقـني الخِـلافْعُذْراً... وعَذّبـني الرِّعافْ
شـاهَدْتُ لابن العَلْقَـمِيِّ مُسَـلْسَلاً
يُفْضـي إلى الحَتْـفِ الزُّعافْ
شـاهدته يمشـي على وَتَرِ الخديعـةِ...بين أشـلاء القبائلِ
- آهِ – مَسْـلوب الشّـمائِلْ
شـاهَدْتُهُ يجْثـو...
يبول على سـنا تاريخ بابلْ
شـاهدتُ للطوسِـيِّ سَقْطَتَهُعلى مرْآى ابن يَقْطـين المُخاتِِلْ
يروي بسِـرٍّ ...
خَطّ هولاكو بُنـودَ حُروفِهِ
ما همّهُ عبَثُ الجـحافِلِ بالمبادىءْ
ما هَمّهُ إنْ جُـزّ سُنّـيٌّ...
أو بُـزَّ شـيعِيٌّ...
إنْ حُـزَّ كُـرْدِيٌّ...
أو غَُلَّ صـابِىءْ
ما هَمّـهُ...
أمّ النّخيـل على رصـيف القهرِ... تَقْذِفهـا المَـوانىءْ
ما همّـهُ طيرُ الرّؤى...فَزِعٌ على شَـجَرِ الأماني...
شـاخِصٌ والقلب نائِـحْ
ما همّـهُ إنْ عَمَّ باطِلْ
ما هَمّهُ...
أن الحقيقةَ فوق أعواد المَقاصِـلْ
ما همّـهُ ألمٌ يُراوِحْ
ثمن اغتِراب الرّوحِ فادحْ
* * *
(7)مهـلاً أخا الوقّاص... مهـلاً...لا تَسَـلْ مَن ذا يُقاتِلْ؟
وأبو رُغالُ...يجوبُ في سَـبَخاتِ فِتْـنَتِهِ
أراهُ يَغُـبُّ من دمع الفُراتِ
أراهُ يَكْرَعُ -آهِ- من دم دِجْلَةَ المَسْـفوحِ في الفَلَواتْ
عـذراً أخا الوقّاصإنّ الجَـزْرَ خـانقْ
عذراً أخا الوقّاص
إنّ الجَـزْرَ ماحِـقْ
عذراً أخا الوقّاص
إنَّ المَدّ يفْتَرِشُ الهَواجِـسْ
من ذا يقي شـجر الوَثائقِ والمَلاحِقِ ؟
-آهِ- من غُول الحَرائقِ والدسـائسْ؟
شـاهَدْتُ شـاوَرَ يَفْتَحُ الأسْـتارَعن وَجْهِ العَفاف بِلا حياءَ...
بلا رُتـوقْ
لِذَوي الكُروشِ...ذوي القُروشِ...
ذَوي النُّقوشْ!
لذوي العُروشِعلى النُّعـوشِ
ذوي السّـوابِقْ!
من حاولوا أن يطفِئوا نورَ الخليـجِ
وَيَعْدِموا سُنَـنَ الخَـلائِقْ
ونَسُـوا بأنّ اللـهَ خالِـقْ
شـاهدتُهُ يُدْلي الفَضـائح لا النّصـائحْ!لذوي اليُخـوتِ...
ذوي النُّعـوتِ ...
ذوي البُخـوتِ...
ذوي العَلائقْ!
من شَـوَّهوا وَهجَ البُشُـوتِ ..
و لَطَّخُوا عَبَقَ المَشَـالِحْ
شِـعري ينافِحُ لا يُـنافِقْشِـعْري غُموضٌ
زِيُّهُ عَبِقٌ وواضِـحْ
شِـعري على الأعداء جارِحْ
شِـعري كما الإسـلام شامِخْشِـعري كما الإيمان راسِـخْ
شِـعري كما الطّوفان عارِمْشِـعري يُقـاوِمُ
لا يُسـالِمُ
لا يسـامحْ
شِـعري كما سَـيْف الحقيقـةِ ...باتـرٌ… صَـلْبٌ وصـارِمْ
* * *
(8)سـَفَكوا دِماءَ الجامعاتِ...وما اكْـتَفوا!
سَـلَبوا ضـياءَ المكتباتِ ...
وما اكْتَفوا!
نهبوا شَـذا المسْـتَشْفَياتِ...
وما اكتفوا!
عَطَبوا رَحيـق الأُغْنِياتِ...
وما اكْتَفوا!
هَتفوا لزيف العَمِّ سـامْ!
هَتفوا بِلا خَجَـلٍ
وقالوا إنّنا قومٌ كِـرامْ!
* * * (9) أوّاهُ يا أُمَّ الحضـارَةِإنّ ليل الغَدْرِ أطْبَـقْأوّاهُ يا أمّ الحضـارةِ
إنّ قاضـي العَصْـرِ أحْمَـقْ
هي ذي السّياسـة- سـيّدي- ظُلْمٌ بِجِلْباب القَداسَـهْ
لا هَمَّ إلاّ هَمَّ إغْراءِ الرِّئاسَـهْ
أوّاهُ يا أمّ الحضـارةِ
إنّ جُرْحَكِ غائِرٌ
وجِراحُنا في القُدْسِ أعْمَـقْ
وأنا أقول لوثْبَـةِ الأجـيال مُحْتَدِماً
بغداد لن تُصْـعَقْ
وأقول للتّاريخ مُنْتَصِباً
بغداد لن تُسْـرَقْ
بغداد ...صـافِيَةٌ كعَيْنِ الحَقِّفاتِنَةٌ كروح الشّـرْقِ
واضِحَةُ الشِّـعارْ
بغداد ...ناصِـعَةٌ كما خَدِّ النّـهارْ
بغداد... لؤْلُؤَةُ المَحـارْ
بغداد تكشِـفُ صـدرها ...
للعابِريـن...
العابِثـين...
العازِمـين على الحِصـارْ
بغداد لن ترضـى الهَوانْبغداد تَعرِفُ كيف تَقْطـفُ ...
من تلابيب القَنا زَهْـرَ الأمانْ
ما هَمّها ابن العَلْقَمِـيِّينام في حضْـنِ التّتارْ
ما همّـها الوجه المُعارْ
ما همّـها فُجْرُ الطُّغاةِ ...
وتُرّهات أبي رُغالْ
ما همّـها إنْ سـار في دَبّابةٍ حَمْقـى...
على حُلمِ العِـيالْ
ما همّـها يمشي على شَـرَفِ العِـقالْ
ما همّـها إنْ خاف حاطِـبْ ...
إنْ خَرَّ في جُـرْفِ الخَـوَرْ
يخفي الهَوانَ بشَـعْرِ عابِـرَةٍ...
ليُنْقِـذَ مَن كَفَـرْ
مهلاً عُمَـرْ
ضَعْ سـيفكَ البتّارَ
حاطِـبُ ما كَفَـرْ
هو يوم بَـدْرٍ...
خَطَّ بالإيمانِ مَلْحَمَـةَ الظَّفَـرْ
فاغْفِـرْ لهُ...والله أعظم مَن غَفَـرْ
بغداد تَعْـرِفُ...كيف تنفُضُ عن مَهابَتِها غُبـارَ الاحْتِلالْ
بغداد يصْـقلها النِّزالْ
بغداد تعرف ما يُجَـدّدُ... ما يُعيـدْ
ألَقَ الجُـدودْ
بغداد يا الأمّ الوَلودْ...
إنّ الأسـى لا يُنْتَسـى
لا تغْرَقي في عُقْمِ رُبَّ وفي عسـى
الشّـعْب شَـقّ طريقهُ
شَـرِبَ الأمانةَ... واحْتَسـى
من أجل عينيكِ اعتلى...
قِممَ الجهادِ...تَمَتْرَسـا
* * *
(10)بغدادُ ... يا بغدادُ... يا بغدادْ
لولاكِ ما انطلق المِـدادُ...
ولا شَـدا
لولاكِ ما سَـمِع الأصـمُّ...
ولا صَـدا
بغدادُ لن ترضـى الحِـدادْلا لا ولن ترضـى السَّـوادْ
بغدادُ ليسـت لُقْمَةً بِفَمِ العِـدا
بغدادُ ليسـت لُعْبَةً بِيَـدِ الـرّدى
بغدادُ ليست مثل عَـادْلا لا ولا إرَم العِمـادْ
بغدادُ سـطّرها المَـدى...
أُمَّ الشِّـدادْ
عَزَفَتْ على وَتَرِ الفِـدا...
هي طائرُ الفينيـقِ...
يُبْعَثُ - آهِ - مِن تحت الرَّمـادْ
**********